تحت وطأة هجوم الرئيس دونالد ترمب على جهود التحول نحو الطاقة الخضراء، أصبحت قضية تحويل شبكة الكهرباء الأميركية إلى الطاقة النظيفة تعتمد بدرجة كبيرة على وادي السيليكون. وليس للأمر علاقة بالسياسة، بل إن الثروة والحجم والحاجة الملحة تأتي كعوامل مشتركة لدفع كل من الطاقة المتجددة والطاقة النووية إلى الأمام، ولكن بطرق مختلفة.
يمثّل مشروع قانون ترمب
الضريبي، الذي يشق طريقه عبر الكونغرس، ضربة قوية لمصادر الطاقة المتجددة. وكان من
المتوقع أن يخفّف الجمهوريون في مجلس الشيوخ من حدة العداء للطاقة الخضراء في نسخة
مشروع القانون الصادرة عن مجلس النواب، إلا أن أحدث ما صدر عن لجنة المالية بمجلس
الشيوخ لم يكن كذلك، إذ سيتم تقليص الاعتمادات الضريبية الداعمة لمشاريع طاقة
الرياح والطاقة الشمسية تدريجيا إلى الصفر بحلول نهاية عام 2027.
وقد يُسهم ذلك في تسريع بعض
المشاريع، ولكنه سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع كبير في تكاليف الطاقة المتجددة.
فعلى سبيل المثال، يؤدي إلغاء الاعتماد الضريبي الاستثماري إلى رفع سعر الكهرباء
لمشروع طاقة شمسية نموذجي بنحو 40%، وفقا لشركة لازارد الأميركية للاستشارات
المالية والخدمات المصرفية الاستثمارية. وبجانب الجهود التنظيمية الرامية إلى
تعزيز فرص توليد الكهرباء من الفحم والغاز، سيؤدي هذا في النهاية إلى تقليل
الإقبال على مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة.
ويعتمد مقدار هذا التخفيض على
ما إذا كان التسعير هو العامل الحاسم. أما بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا، فالسعر
ليس له تلك الأهمية، بل إن شركات التكنولوجيا الكبرى هي الخيار الأمثل لمشاريع
الطاقة المتجددة المستقبلية. وتهيمن أربع شركات فقط، تُسمى ”العمالقة فائقة
السعة“، وهي ألفابت وأمازون وميتا بلاتفورمز ومايكروسوفت، على اتفاقيات شراء
الطاقة التي وقّعتها الشركات مع مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية خلال السنوات
الخمس الماضية، حيث أبرمت عقودا متعددة السنوات لشراء إنتاجها، ما وفّر لها اليقين
اللازم لتأمين التمويل. بشكل عام، تم توقيع اتفاقيات شراء الطاقة لـ98 غيغاواط من
طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، وفقا لمؤسسة
بلومبيرج للطاقة الجديدة، وهو رقم يعادل 74% من الطاقة الجديدة التي بدأت العمل.
وباتت احتياجات مراكز البيانات
المتزايدة للطاقة، مع تطويرها لأدوات الذكاء الاصطناعي، حقيقة راسخة، حتى لو كان
المستوى النهائي لتلك الاحتياجات محل جدل. وبالنسبة للشركات العملاقة فائقة السعة،
تتميز الطاقة المتجددة بميزتين: سرعة بناء المشاريع نسبيا، وإسهامها في تعهدات
إزالة الكربون.
ورغم أن مراكز البيانات تعمل
باستمرار تقريبا، فمن الواضح أنها لا تعتمد بالكامل على مصادر الطاقة المتقطعة مثل
الرياح أو الشمس، حتى مع وجود البطاريات. لذا، فإن محطات الغاز المسال، سواء
القديمة منها أو الجديدة، تستفيد بدورها من سباق الذكاء الاصطناعي، ما يدعم توقيع
المزيد من اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة لتعويض الانبعاثات الناتجة عن الوقود
الأحفوري. وتُعد هذه العقود منخفضة التكلفة نسبيا، بعد سنوات من الانخفاض المستمر
في أسعار تقنيات الطاقة النظيفة، والإعفاءات الضريبية الفيدرالية.
وتُشير تقديرات ”بلومبيرغ نيو
إنيرجي فاينانس“ المتخصصة في تحليل البيانات إلى أن اتفاقيات شراء الطاقة، التي
وُقّعت في النصف الثاني من عام 2024، أدّت إلى خفض متوسط أسعار عقود الكهرباء
المستقبلية بنسبة 10% على الأقل. ومن شأن إلغاء الاعتمادات، إلى جانب الخلافات
التجارية، أن يقلب هذا الوضع رأسا على عقب، ما يعني أن الغاز سيمثّل على الأرجح
حصة أكبر من توليد الكهرباء الجديدة خلال النصف الثاني من هذا العقد مقارنة بما
كان من الممكن أن يكون عليه، رغم أن الأسعار وأوقات انتظار توربينات الغاز الجديدة
قد زادت بشكل ملحوظ أيضا. ومع ذلك، قد لا يكون السعر هو العامل الحاسم في شريحة
العملاء الحاسمة، فوفقا لتقديرات المحلّلين، أنفقت شركات الطاقة العملاقة الأربع
الكبرى ما متوسطه 1.6% من إيراداتها على فواتير الكهرباء في عام 2024.
وسيؤدي إلغاء الاعتمادات
الضريبية إلى زيادة هذه النسبة بمقدار 19 نقطة أساس في المتوسط. وإذا لم تتخلَّ
شركات التكنولوجيا الكبرى عن طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي أو إزالة الكربون
تماما، فإن هذا التأثير الطفيف في التكاليف يمنح مطوري الطاقة المتجددة بعض الأمل
وضمانا نسبيا.
وسيظل القطاع القائم على الدعم
معرّضا للضرر إذا سُحبت هذه الإعانات بشكل مفاجئ، وقد شهدنا شيئا مماثلا عندما
أدّى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تباطؤ طاقة الرياح البحرية في السنوات الأخيرة.
وسيعاني الطلب على المشاريع الجديدة، فكما هو الحال مع أيّ صناعة مجزأة تواجه
احتكارا محدودا وتدهورا مفاجئا في الوضع الاقتصادي، فإن قطاع الطاقة المتجددة في
الولايات المتحدة مُقبل على اندماج حاد. ولم تتجاوز حصة أكبر 10 شركات تطوير
للمشاريع سوى 37% من طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الولايات المتحدة التي حصلت
على تمويل أو بدأت في بنائها العام الماضي، وفقا لبيانات جمعتها مؤسسة بلومبرج.
ومن المتوقع أن يبرز قطاع أقوى
وأكثر تركيزا لاحقا. أما الرهان الآخر طويل الأجل على شبكة كهرباء خالية من
الكربون، فيتعلق بالطاقة النووية، فقد حظي هذا الرهان على موافقة الجمهوريين
نسبيا، حيث حافظت أحدث صياغة في مجلس الشيوخ على مشروع قانون الضرائب في مجلس النواب
من خلال الحفاظ على الإعفاءات الضريبية على الإنتاج لمحطات الطاقة النووية، شريطة
ألا تستخدم وقودا من دول مثل روسيا.
كما أبدى ترمب دعمه من خلال
أوامر تنفيذية، ويُقال إنه يخطط لإعادة توجيه مكتب برامج القروض التابع لوزارة
الطاقة نحو تمويل تقنيات المفاعلات الجديدة. ومع ذلك، يبقى دور شركات التكنولوجيا
الكبرى محوريا، وربما حاسما، فهي تقدّر بوضوح كميات الطاقة الضخمة القابلة للتوزيع
والخالية من الكربون التي توفرها المفاعلات، إلا أن هذا يعني التعاقد مع محطات
نووية قائمة أو إعادة تشغيل عدد قليل نسبيا من المحطات التي أُغلقت مؤخرا.
وهناك سبب وجيه لذلك، فبناء
مفاعلات جديدة مكلف ومحفوف بالمخاطر، وغالبا ما يستغرق عقدا أو أكثر. وتُعتبر آخر
المفاعلات التي بُنيت في الولايات المتحدة مثالا على الميزانيات والجداول الزمنية
المتعثرة، ما جعل شركات المرافق العامة مترددة للغاية في الانخراط في جولة جديدة
من الاستثمار.
ويساعد الدعم الفيدرالي على
تغطية بعض التكاليف والمخاطر، ولكن ما يحتاجه القطاع حقا هو عملاء متعطشون للطاقة
الخالية من الانبعاثات، لا يضاهي تعطشهم إلا ثراء جيوبهم.
وتُعد شركات التكنولوجيا
الكبرى المرشح الأبرز، حيث أن اتفاقيات شراء الطاقة التي وقُعتها الشركات الكبرى
مثل أمازون ومايكروسوفت مع محطات نووية قائمة بأسعار أعلى من السوق تُظهر استعدادا
لدفع ثمن الطاقة الخالية من الكربون، وهو ما يُعد أيضا علامة مشجّعة لمصادر الطاقة
المتجددة التي تواجه فقدان الإعفاءات الضريبية. إضافة إلى ذلك، اتخذت العديد من
شركات الطاقة الضخمة خطوات أولية لتشجيع تطوير تقنيات جديدة، مثل المفاعلات
المعيارية الصغيرة، لكن هذه الشركات لا تزال بعيدة كل البعد عن الالتزام بنوع
اتفاقية شراء الطاقة طويلة الأجل التي يمكن لشركة نووية ناشئة أن تستثمر فيها.
وهذا هو الفارق بين الحديث عن
محطات نووية جديدة والبدء فعليا ببنائها. وكما هو الحال مع قدرة الطاقة المتجددة
على المرونة، فإن احتمالات إحياء الطاقة النووية تقع إلى حد كبير على عاتق خبراء
التكنولوجيا. ربما لا تكون هذه الرسالة الأكثر طمأنينة في الوقت الراهن، ولكنها أكثر
مدعاة للتفاؤل بكثير من أيّ شيء يُحتمل أن يصدر عن الكونغرس الأميركي.
نشر في منصة مناخي / بقلم: ليام دينينج – ينشر بترتيب
خاص مع خدمة واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن، الاتحاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بيئتي BEAATY